فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن ولا كافر، بل هو في منزلة بين المنزلتين، ثم قام واعتزل إلى أسطوانة المسجد يقرر ما أجاب عن هذه المسألة، منشئا مذهبه الفاسد، فتلاحظ سرعة إجابته قبل أن يجيب الحسن رحمه الله، وسرعة اعتزاله، فإن ذلك ينبئ عن هوى في نفس واصل بن عطاء. فقال الحسن البصري: "اعتزل عنا واصل" فسمي هو وأصحابه معتزلة، ثم استقر مذهب الاعتزال بعد ذلك على خمسة أصول وهي:
أولا: التوحيد، وهو عندهم نفي صفات الباري جل وعلا، وإثبات أسماء لا معاني لها كقولهم: عالم بلا علم، قادر بلا قدرة. ثانيا: العدل، وحقيقته عندهم نفي قدرة الله - عز وجل -، ونفي مشيئته النافذة على خلقه، وأن العباد خالقون لأفعالهم، فسموا لذلك مجوس هذه الأمة، وسموا قدرية لنفيهم القدر، وهم يلقبون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وهم من أبعد الناس عن ذلك. ثالثا: إنفاذ الوعيد، وهو أن مرتكب الكبيرة عندهم إذا لم يتب فهو من الخالدين في النار. رابعا: المنزلة بين المنزلتين، وهو قولهم: إن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمنا ولا كافرا. خامسا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه جواز الخروج على الأئمة عندهم وقتالهم بالسيف. وعلى هذه الأصول الخمسة يقوم مذهب الاعتزال، وهم ينقسمون إلى إحدى وعشرين فرقة، ذكرها أصحاب كتب المقالات، والفرق والعقائد. الطور الثاني لأبي الحسن الأشعري: رجوعه عن الاعتزال، والأخذ بقول عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان الذي كان يثبت الصفات العقلية: كالإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، ويؤوِّل الصفات الخبرية: كالوجه، واليد، والاستواء، فاعتقدها الأشعري وألف فيها، والأشاعرة اليوم هم على هذا المذهب، فهم يثبتون لله سبع صفات، وهي: العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، ويزعمون أن كلام الله كلام نفسي. الطور الثالث حسن الخاتمة: لأبي الحسن الأشعري: حيث رجع عن هذا المذهب إلى عقيدة السلف وسطر في كتابه " مقالات الإسلاميين "عقيدة أصحاب الحديث، وقررأنه يقول بكل قولهم، وقد ضمنها في كتابه "الإبانة" حيث شرح فيه عقيدة الإمام أحمد رحمه الله، وهذا تفصيله في كتب العقائد والفرق.