قال ابن كثير: "قوله: "لخمس بقين من ذي القعدة" إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه ﵇، خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة، وأصبح بها يوم الجمعة، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة. وإن أراد ابن عباس بقوله: "وذلك لخمس بقين من ذي القعدة" يوم انطلاقه ﵇ من المدينة بعد ما ترجّل وادّهن ولبس إزاره ورداءه كما فالت عائشة وجابر أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة بَعُدَ قول ابن حزم، وتعذّر المصير إليه، وتعين القول بغيره ولم ينطق ذلك إلا على يوم الجمعة إن كان شهر ذي القعدة كاملا، ولا يجوز أن يكون خروجه ﵇ من المدينة كان يوم الجمعة لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس أنه قال: "صلى رسول الله ﷺ ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا .. " كما لا يجوز أيضا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم؛ لأنه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا، وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعيّن عدى هذا أنه ﵇ خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يكون دائما تاما، فاتفق في تلك السنة نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء، واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس، ويؤيده ما وقع في رواية جابر: "لخمس بقين أو أربع"، وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ولا بد منه". اهـ. البداية والنهاية (٣/ ١٠١ - ١٠٢). وهذا الذي قرّره ابن كثير هو ما قرّره الإمام ابن القيم في بحث ممتع له مع ردود قوية على الإمام ابن حزم، وهو الذي اختاره أيضا ابن حجر مؤيدًا بما رواه ابن سعد في الطبقات (٢/ ١٣١) أن خروجه ﷺ من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة. وعلى هذا فتأويل المؤلف قول عائشة بما ذكر مرجوح، والله أعلم.