للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفخة الفزع.

قال أبو عبد اللّه: وقال شيخنا أحمد بن عمرو: الذي يزيح هذا الإشكال إن شاء اللّه تعالى أن الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأَوْلَى، مع أنه قد صح عن النبي أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء، وخصوصًا بموسى، وقد أَخْبَرَ بأنه ما من مسلم يُسلِّم عليه إلا رَدَّ اللّه عليه رُوحه حتى يَرُد -عليه السلام-.

إلى غير ذلك مما يَحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو رجع إلى أن غُيبوا عنا، بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنهم أحياء موجودون ولا تراهم، وإذا تقرر أنهم احياء، فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق، صعق كل مَنْ في السموات ومَن في الأرض إلا مَنْ شاء اللّه، فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشية، فإذا نُفخ في الصور نفخة البعث، فمَن مات حيي، ومَن غشي عليه أفاق.

ولذلك قال في الحديث المتفق على صحته: «فأكون أول مَنْ يفيق» فنبينا أول مَنْ يَخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى. فإنه حصل فيه تردد: هل بُعث قبله من غشيته أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقًا؛ لأنه حوسب بصعقة يوم الطور؟ وهذه فضيلة عظيمة لموسى، ولا يَلزم من فضيلة واحدة أفضليته على نبينا مطلقًا؛ لأن الشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>