للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلِهِ، وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ، وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عن غير جزع، وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَمَا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ، وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَلَا نَسْخَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فِي "كِتَابِ الْحَجِّ - فِي مَسْأَلَةِ الْإِشْعَارِ - مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِالْآيَةِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي إسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَطَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِيَ أَصْحَابِ اللِّقَاحِ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى آخِرِ الآية، قالوا: فَلَمْ تُسَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا، إلَّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ ١ - إلَّا ابْنُ مَاجَهْ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَأَنْكَرَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد ٢ عَنْ خالد بن الفزر حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، انْتَهَى. وخالد بن الفزر، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُعَارَضَةُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا ٣ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقَوْا شَرْخَهُمْ"، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَالْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مُنْقَطِعٌ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، انْتَهَى.


١ عند البخاري في "الجهاد - باب قتل النساء في الحرب" ص ٤٢٣ - ج ١، وعند مسلم في "الجهاد" ص ٨٤ - ج ٢، وعند أبي داود في "المغازي - باب قتل النساء" ص ٦ - ج ٢، وعند الترمذي في "السير - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء" ص ٢٠٣ - ج ١.
٢ عند أبي داود في "المغازي - باب في قتل النساء" ص ٦ - ج ٢.
٣ عند أبي داود في "المغازي" ص ٦ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>