للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ ١ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "هُمْ مِنْهُمْ"، وَفِي لَفْظٍ: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ"، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، نَقَلَهُ الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي تَبْيِيتِ الْعَدُوِّ إذَا أُغِيرَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ضَرُورَةَ التَّوَصُّلِ إلَى الْعَدُوِّ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ إفْسَادُ الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِهْلَاكِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً، فَقَالَ: "هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، فَلِمَ قُتِلَتْ؟! "، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد٢، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: "اُنْظُرْ على مَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ " فَجَاءَ، فَقَالَ: امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ"، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: "قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَفِي لَفْظِهِ: فَقَالَ: "هَاهْ، مَا كَانَتْ تُقَاتِلُ"، الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بِهِ.


١ عند البخاري في "الجهاد - باب أهل الدار يبيتون" ص ٤٢٣ - ج ١، وعند مسلم في "الجهاد" ص ٨٤ - ج ٢، وعند أبي داود فيه "باب في قتل النساء" ص ٦ - ج ٢، وعند الترمذي في "السير - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان" ص ٢٠٣ - ج ١، وينظر البقية.
٢ عند أبي داود في "المغازي - باب في قتل النساء" ص ٦ - ج ٢، وحديث المغيرة، عند ابن ماجه في "الجهاد - في باب الغارة والبيات وقتل النساء" ص ٢٠٩، وفي "المستدرك - في الجهاد" ص ١٢٢ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>