للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا"، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.

قَوْلُهُ: وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ١ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي "كِتَابِ الْحُدُودِ" مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، وَفِي لَفْظٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي إثْرِهِمْ، وَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ كَحَّلَهُمْ بِهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا٢، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: قَالَ أَنَسٌ: فَمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا خُطْبَةً، إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِالرِّعَاءِ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ": مِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَهَا قِصَّةً أُخْرَى، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُشْعِرُهُ لَفْظَةَ "إنَّمَا" مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ، كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ حَيْثُ زَادُوا بِالرِّدَّةِ، وَسَمْلِ أَعْيُنِ


١ قلت: لفظ الكتاب عند البخاري في "المغازي - باب قصة عكل وعرينة" ص ٦٠٢ - ج ٢، وأورده في مواضع من صحيحه، وعند مسلم في "كتاب المحاربين" ص ٥٧ - ج ٢، وأكثر طرق هذا الحديث في "الصحيحين" عن أبي قلابة عن أنس.
٢ ذكره البخاري في "الطب - باب الدواء بأبوال الابل" ص ٨٤٨ - ج ٢، ولم أجده في "مسلم" والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>