للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«اخف عنا واستأجر دليلا إلى المدينة» ولم يقل اخرج على التوكل وما زال ببدنه مع الأسباب وبقلبه مع المسبب.

وقد أحكمنا هذا الأصل فيما تقدم.

وقول أبي حمزة فنوديت من باطني هذا من حديث النفس الجاهلة التي قد استقر عندها بالجهل أن التوكل ترك التمسك بالأسباب لأن الشرع لا يطلب من الإنسان ما نهاه عنه وهلا نافره باطنه في مد يده وتعليقه بذلك المتدلي إليه وتمسكه به فإن ذلك أيضا نقض لما ادعاه من ترك الأسباب الذي يسميه التوكل لأنه أي فرق بين قوله أنا في البئر وبين تمسكه بما تدلى عليه لا بل هذا آكد لأن الفعل آكد من القول فهلا سكت حتى يحمل بلا سبب.

فإن قال: هذا بعثه الله لي.

قلنا: والذي جاز على البئر من بعثه واللسان المستغيث من خلقه فإنه لو استغاث كان مستعملا للأسباب التي خلقها الله تعالى لينتفع بها للدفع عنه فلم يستمعها وإنما بسكوته عطل الأسباب التي خلقها الله تعالى له ودفع الحكمة فصح لومه على ترك السبب.

وأما تخليصه بالأسد فإن صح هذا فقد يتفق مثله ثم لا ينكر أن الله تعالى يلطف بعبده وإنما ينكر فعله المخالف للشرع.

أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ثنا عبد العزيز بن أبي الحسن قال سمعت علي بن عبد الله بن جهضم المكي يقول: ثنا الخلدي قال: قال الجنيد قال لي محمد السمين: كنت في طريق الكوفة بقرب الصحراء التي بين قباء والصخرة التي تفريقنا منها والطريق منقطع فرأيت على الطريق جملا قد سقط ومات وعليه سبعة أو ثمانية من السباع تتناهش لحمه يحمل بعضها على بعض فلما أن رأيتهم كأن نفسي اضطربت وكانوا على قارعة الطريق.

فقالت لي نفسي تميل يمينا أو شمالا فأبيت عليها إلا أن آخذ على قارعة الطريق فحملتها على أن مشيت حتى وقفت عليهم بالقرب منهم كأحدهم ثم رجعت إلى نفسي لأنظر كيف فإذا هي الروع معي قائم فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فقعدت بينهم ثم نظرت بعد قعودي فإذا الروع معي فأبيت أن

<<  <   >  >>