للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأهل الأصول وإن اشترطوا الإسلام أو البلوغ أو العدالة أو غير ذلك من الشرائط المتوجبة في الراوي، فإنهم غير قادرين على إثباتها فيه إلا عن طريق أهل الحديث والخبر، فهم مقلدون لهم فيه أولاً وآخراً.

والقول بعدالة الراوي وصدقه إنما مردها لأئمة أهل الحديث أهل الجرح والتعديل، ولا دخل للفقهاء والأصوليين فيه، وقصارى أمرهم أن يجتهدوا في الترجيح بين ألفاظ أهل الجرح والتعديل، ومعرفة مرادهم الذي حكوه في هذه الألفاظ، التي توجب التحري الواسع في تحديد مقاصدهم.

فهذا ابن سيرين يقول في رجل: " هو كما يعلم الله "، ويقول في آخر: " هو كما يشاء الله "، فإذا هو قد جرح الأول وعدّل الثاني.

وهذا البخاري الإمام يقول في الرجل: " فيه نظر " فاختلف الناس في مراده بهذا، وما يزالون مختلفين إلى الساعة، ونحو هذا أشياء.

ومعرفة علل الحديث قام بها أطباء هذا العلم وجهابذته، قد اقتصرت عليهم، بل وغاب الدليل على معرفتها عندنا في غير حديث، بل في جملة وافرة، وما حرر أحد في شيء من قواعدها، ولا يمكن أن يحرر، ومعرفة ذلك كما قال بعض السلف: يحسبها الجاهل كهانة، فإذا رأيت الاثنين والثلاثة والأربعة يعلّون هذا الحديث الواحد بالعلة الواحدة، التي لا تراها، علمت أنهم إنما يعلون بالموجود الواقع.

والحاصل أن مثل هذا في الحكم على الأحاديث يطول ذكره، وهو مسلّم لأهله، فلنبدأ الشروع في النوع الآخر الذي هو من مقاصد هذا الكتاب، وفيه شروط:

<<  <   >  >>