أما الثاني فهو الذي عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدل على أنه أقام شهادة ذي اليدين بمقام عمله هو - صلى الله عليه وسلم -، فهل يكون أبلغ من هذا الاحتجاج.
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - لما سأل أصحابه، فأخبروه خبر ذي اليدين، خلاف ما كان يظن أنه فعل، فترجح عنده أحد الخبرين على الآخر فعمل به.
ولو أنه - صلى الله عليه وسلم - أبطل خبر ذي اليدين، ولم يره حجة، ولا ينتهض به دليل، لما جعله مساوياً لما عرفه هو - صلى الله عليه وسلم -، وطلب الترجيح. والله أعلم.
ب - الثاني: ردُّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر أبي موسى الأشعري أن الاستئذان ثلاث، حتى شهد له بذلك أبو سعيد، رضي الله عنهم.
والجواب عنه كالأول، وذلك أن عمر رضي الله عنه كان كثير الدخول والاستئذان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نحواً من عشرين سنة، وهو في كل هذا لم يسمع خبر أبي موسى، فكان استقر عنده بما لا شك - خاصة فيمن عاش مدته تلك، ودخل مداخله - أن الاستئذان ليس فيه هذا الشرط، من وجوب الرجوع بعد الثلاث.
فلما سمع خبر أبي موسى، تناقض عنده الأمران، خبره هو وخبر أبي موسى، فاستعان بمرجح لأحد الخبرين، فقام بذلك أبو سعيد، بل وغيره كما في السياق، فترجح خبر أبي موسى على ما علم عمر. سيما وقد وقع في لفظ للموطأ:" أما إني لم أتهمك ".