للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استدل ابن تيمية وتبعه في ذلك ابن القيم رحمهما الله على كون الغاصب يقتسم مع صاحب المالك بهذا الخبر.

قال ابن تيمية رحمه الله: أَمَّا الْمَالُ الْمَغْصُوبُ إذَا عَمِلَ فِيهِ الْغَاصِبُ حَتَّى حَصَلَ مِنْهُ نَمَاءٌ - فَفِيهِ أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ: هَلْ النَّمَاءُ لِلْمَالِكِ وَحْدَهُ؟ أَوْ يَتَصَدَّقَانِ بِهِ؟ أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا إذَا عَمِلَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَكَمَا يَدْفَعُ الْحَيَوَانَ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءِ مِنْ دَرِّهِ وَنَسْلِهِ؟ أَوْ يَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ جَارِيَةً بِمِثْلِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا أَقْرَضَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ابْنَيْهِ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَصَّهُمَا بِهَا دُونَ سَائِر الْمُسْلِمِينَ وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ ذَلِكَ مُحَابَاةً لَهُمَا لَا تَجُوزُ، وَكَانَ الْمَالُ قَدْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا بَلَغَ بِهِ الْمَالُ ثَمَانَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَدْفَعَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِمَا قَبَضَا الْمَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: إنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَك؛ فَإِنَّ الْمَالَ لَوْ خَسِرَ وَتَلِفَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِنَا فَلِمَاذَا تَجْعَلُ عَلَيْنَا الضَّمَانَ وَلَا تَجْعَلُ لَنَا الرِّبْحَ؟ فَتَوَقَّفَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: نَجْعَلُهُ مُضَارَبَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: لَهُمَا نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُسْلِمِينَ نِصْفُ الرِّبْحِ. فَعَمِلَ عُمَرَ بِذَلِكَ.

وَهَذَا مِمَّا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <   >  >>