للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من وقوع الربا فيما عداها وإلا فقد تناقضتم (١).

قلت: وهذا الذي ذكره ابن حزم غريب جدًّا!! فقوله: («الطعام بالطعام مثلًا بمثل» ليس فيه المنع عنه مثلًا بأكثر ولا إباحة إنما هو سكوت عنه) فهذا قول مردود إذ أن أهل اللغة يعرفون أن هذا من باب الخبر الذي يراد به الأمر، والأمر يأتي في صورة الخبر للتأكيد: مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، وكقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ١٠ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصف: ١٠، ١١]، والمعنى آمِنوا بالله ورسوله. فهو خبر في معنى الأمر، ويأتي الخبر بمعنى الأمر إيذانًا بوجوب الامتثال، فكأن المخاطب امتثل وبدأ في تنفيذ المطلوب، ومثله في الدعاء قول القائل: «رحمك الله» فهي جملة خرجت في صورة الخبر ثقة بالإجابة، وكأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها، والأمثلة على إيراد الخبر بمعنى الأمر كثيرة في القرآن والسنة.

وأما قوله: (لفظة الطعام لا تطلق في لغة العرب إلا على البُر وحده) فهو أيضًا غريب، إذ أن الطعام في لغة العرب: كل ما يؤكل وبه قوام البدن، فهو عام لكل ما يطعم من مأكول ومشروب، قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: ٩٣]، وقال


(١) «المحلى» (٨/ ٤٧٤) ط دار التراث.

<<  <   >  >>