للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيَانُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِيهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا تَنْكِحُ إلَّا مَنْ شَاءَتْ، فَإِذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ أَبَى أَنْكَحَهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْوَلِيِّ الْآبِيِّ.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ لِلْوَلِيِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٣٤] .

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] بَيَانٌ فِي أَنَّ نِكَاحَهُنَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] فَهَذَا خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» .

وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ - بِلَا شَكٍّ - أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ مَنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَالشَّرْعُ الزَّائِدُ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، لِأَنَّهُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَالصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَالزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَلَا فَرْقَ.

وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ زَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءً سَوَاءً، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَقْدِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>