وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَدْ يَتَأَوَّلُ سَعِيدٌ فِي الِاطِّلَاءِ أَنَّهُ بِخِلَافِ حُكْمِ سَائِرِ الشَّعْرِ، وَأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَطْ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: كَمَا قُلْتُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَعُ مَا رُوِيَ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْهُ؛ فَالْأَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ سَعِيدٍ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِ مَا رَوَى - فَهَذَا اعْتِرَاضٌ أَوْلَى مِنْ اعْتِرَاضِكُمْ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي الِاطِّلَاءِ فِي الْعَشْرِ إنَّمَا أَرَادَ عَشْرَ الْمُحَرَّمِ لَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ أَرَادَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ؟ وَاسْمُ الْعَشْرِ يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؟
وَسَادِسُهَا: أَنْ نَقُولَ: لَعَلَّ سَعِيدًا رَأَى ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ، فَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الدِّينَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ عِكْرِمَةَ وَرَأْيِهِ، إنَّمَا هَذَا مِنْهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَمَسَّ الشَّعْرَ، وَالظُّفْرَ، بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ اجْتِنَابُ مَسِّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ.
فَهَذَا الصَّائِمُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُ الطِّيبِ، وَلَا مَسُّ الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ - وَكَذَلِكَ الْمُعْتَكِفُ، وَهَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْجِمَاعُ وَالطِّيبُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اجْتِنَابُ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ.
فَظَهَرَ حَمَاقَةُ قِيَاسِهِمْ وَقَوْلِهِمْ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، وَهَذِهِ فُتْيَا صَحَّتْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَهُمْ، فَخَالَفُوا ذَلِكَ بِرَأْيِهِمْ.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، فَخَالَفُوا الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ الْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]
٩٧٧ - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ، أَوْ طَائِرٍ، كَالْفَرَسِ، وَالْإِبِلِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَالدِّيكِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْحَلَالِ أَكْلُهُ،