وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَارِمٌ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] قَالَ: فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهْلُوكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ.
فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ مُبَيِّنٌ أَنَّ جَمِيعَ نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا زَوَّجَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ حَاشَ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَصَحَّ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أُمِّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا أَيْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ، قَدْ كَانَ هُنَالِكَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعَمْرٌو، وَخَالِدٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَكَيْفَ يُزَوِّجُهَا النَّجَاشِيُّ - بِمَعْنَى يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا - وَهَؤُلَاءِ حُضُورٌ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ آذِنُونَ فِي ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؟ .
وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَرْأَةَ بِتَعْلِيمِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْيَقِينِ بِالشُّكُوكِ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ذَكَرُوهُ، كَخَبَرِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَنِكَاحِ أَبِي طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَطْ، أَنْكَحَهَا إيَّاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ.
فَهَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِإِبْطَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ نِسَاءً أُنْكِحْنَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِنَّ، فَرَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نِكَاحَهُنَّ وَجَعَلَ إلَيْهِنَّ إجَازَةَ ذَلِكَ إنْ شِئْنَ - فَكُلُّهَا أَخْبَارٌ لَا تَصِحُّ إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَلِأَنَّ النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute