[مَسْأَلَة الْعِتْق إلَى أَجَل]
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى - قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ - مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، أَوْ إلَى سَنَةٍ، أَوْ إلَى بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا جَاءَ أَبِي، أَوْ إذَا أَفَاقَ فُلَانٌ، أَوْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ، أَوْ نَحْوُ هَذَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْأَجَلُ، فَإِنْ بَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي عَقْدِهِ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمَّا وَصِيَّةٌ، وَإِمَّا نَذْرٌ، وَكِلَاهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِمَا، فَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةَ: لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ»
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَقُولَ: لِلَّهِ، وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبِرٌّ وَقُرْبَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى، فَكُلُّ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ بِهَا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فَاسِدَةٌ -: مِنْهَا «مَنْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ» وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَرْبَعٌ مُقْفَلَاتٌ لَا يَجُوزُ فِيهِنَّ الْهَزْلُ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقَةُ، وَالنَّذْرُ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ سَعِيدٌ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، بَلْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّذْرِ، فَإِذْ لَا يَجُوزُ فِيهَا فَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ بِهِ، هَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَمَا يُرِيدُونَ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute