ثُمَّ قَوْلُهُ " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ الْأَوْلَادَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا " فَهَذَا عَيْنُ الْخَطَأِ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ الْحَقِّ إثْرَ عَقْدِهِ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْبَاطِلُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيُوقَفُ عِنْدَهُ.
وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا قَالَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا غَيْرُهُ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا بِأَثَرٍ سَاقِطٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ كُلَّ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ اشْتِجَارِ جَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاسِ مُحَالٌ، وَحَاشَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَأْمُرَ بِمُرَاعَاةِ مُحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنَى قَوْمًا خَاصَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَجِرُوا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ، لَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» بَيَانٌ جَلِيٌّ بِمَا قُلْنَا إذْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ قَوْلُهُ: «مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» مُحَالًا بَاطِلًا، وَحَاشَ لَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ، فَصَحَّ: أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الَّذِينَ يُوجَدُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ وَلَا يُوجَدُونَ لِبَعْضِهِنَّ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّمَا عُوِّلَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» عُمُومٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute