[مَسْأَلَةٌ يَمِينَ السَّكْرَان وَالْمَجْنُون وَالْهَاذِي وَالنَّائِم وَمَنْ لَمْ يَبْلُغ]
مَسْأَلَةٌ
وَلَا يَمِينَ لِسَكْرَانَ، وَلَا لِمَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَلَا لِهَاذٍ فِي مَرَضِهِ، وَلَا لِنَائِمٍ فِي نَوْمِهِ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَبْلُغَ.
وَوَافَقَنَا فِي كُلِّ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي السَّكْرَانِ وَحْدَهُ، وَوَافَقَ فِي السَّكْرَانِ أَيْضًا قَوْلُنَا هَهُنَا قَوْلَ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَحُجَّتُنَا فِي السَّكْرَانِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فَمَنْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ بِمَا لَا يَدْرِي مَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ إلَّا بِمَا عَقَّدَ مِنْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَجُرِحَ جِرَاحَةً أَقْعَدَتْهُ، أَوْ جَرَحَهَا نَفْسَهُ عَابِثًا عَاصِيًا، أَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ مَنْ أُقْعِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ بِمَرَضٍ مِنْ عِنْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ قَاعِدًا، وَفِي وُجُوبِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي مَرَضِهِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.
وَكُلُّ مَنْ صَارَ إلَى حَالٍ يَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ فِيهَا بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إلَيْهَا، فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ صَارَ إلَيْهَا بِغَلَبَةٍ، لِأَنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَسْتَثْنِ هَهُنَا مِنْ أَحْوَالِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا.
وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ فِيمَنْ خَرَجَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ: إنَّ لَهُ أَنْ يُقَوِّيَ نَفْسَهُ بِأَكْلِهَا، وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ ثُمَّ يَأْكُلُ حَلَالًا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَرَى السَّكْرَانَ فِي حُكْمِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى أَنَّ النَّائِمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إنْ أَكَلَ فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَوْ شَرِبَ مَا دَسَّ فِي فَمِهِ، أَنَّهُ مُفْطِرٌ، ثُمَّ يَرَاهُ هَهُنَا غَيْرَ حَالِفٍ ثُمَّ يُلْزِمُ السَّكْرَانَ يَمِينَهُ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّهُ مُتَسَاكِرٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ قُلْنَا: وَلَعَلَّ الْمَجْنُونَ مُتَجَنِّنٌ، مُتَحَامِقٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، أَوْ أَحْمَقُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute