وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيزَ وَالزَّوْجُ كُفُؤٌ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَكُونُ جَائِزًا إلَّا حَتَّى يُجِيزَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ اسْتَأْنَفَ الْقَاضِي فِيهِ عَقْدًا جَدِيدًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، لِأَنَّهُمَا نَقَضَا قَوْلِهِمَا " لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ " إذْ أَجَازَا لِلْوَلِيِّ إجَازَةَ مَا أَخْبَرَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ أَجَازَ لِلْمَرْأَةِ إنْكَاحَ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ أَجَازَ لِلْوَلِيِّ فَسْخَ الْعَقْدِ الْجَائِزِ، فَهِيَ أَقْوَالٌ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِمَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ - وَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إلَّا عَنْ الْوَحْيِ مِنْ الْخَالِقِ، الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: ٢٣] وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ دِينٌ جَدِيدٌ، يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهِ فِي الْحَشْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَغَيْرِ الدَّنِيَّةِ، وَمَا عَلِمْنَا الدَّنَاءَةَ إلَّا مَعَاصِيَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا السَّوْدَاءُ، وَالْمَوْلَاةُ: فَقَدْ كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَوْدَاءَ وَمَوْلَاةً، وَوَاللَّهِ مَا بَعْدَ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ امْرَأَةٌ أَعْلَى قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْفَقِيرَةُ: فَمَا الْفَقْرُ دَنَاءَةٌ، فَقَدْ كَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَقِيرُ الَّذِي أَهْلَكَهُ الْفَقْرُ - وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ حَقًّا - وَقَدْ كَانَ قَارُونُ، وَفِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ: مِنْ الْغِنَى بِحَيْثُ عُرِفَ - وَهُمْ أَهْلُ الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ حَقًّا -.
وَأَمَّا النَّبَطِيَّةُ: فَرُبَّ نَبَطِيَّةٍ لَا يَطْمَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَسَارِهَا، وَعُلُوِّ حَالِهَا فِي الدُّنْيَا، وَرُبَّ بِنْتِ خَلِيفَةٍ هَلَكَتْ فَاقَةً وَجَهْدًا وَضَيَاعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute