فَحَصَلَ الرِّبَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى يُجْتَنَبَ؟ وَلَا مَا لَيْسَ هُوَ فَيُسْتَعْمَلَ وَصَارَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْشَاجًا مُخْتَلِطَيْنِ لَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا أَبَدًا.
وَحَصَلَتْ الْأَنْوَاعُ الْمَبِيعَةُ كُلُّهَا الَّتِي يُدْخِلُونَ فِيهَا الرِّبَا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهَا؟ وَلَا كَيْفَ يَسْلَمُ مِنْهُ؟ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دِينٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، هَيْهَاتَ أَيْنَ هَذَا الْقَوْلُ الْكَاذِبُ؟ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّادِقِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ» .
فَإِنْ رَجَعُوا إلَى أَنْ يَجْعَلُوا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ عَادَتَهُ حَصَلَ الدِّينُ لَعِبًا إذَا شَاءَ أَهْلُ بَلَدٍ أَنْ يَسْتَحِلُّوا الْحَرَامَ رَدُّوا كُلَّ مَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِكَيْلٍ إلَى الْوَزْنِ، وَمَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِوَزْنٍ إلَى كَيْلٍ فَحَلَّ لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ مَا كَانَ حَرَامًا أَمَسَّ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، أَوْ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَيْضًا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَدْخَلُوا الرِّبَا فِي الْمَأْكُولِ كُلِّهِ، أَوْ فِي الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ: سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْأَصْنَافِ الْمَبِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ صِنْفًا، وَلَا صِنْفَيْنِ، بَلْ هِيَ عَشَرَاتٌ كَثِيرَةٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُوجِبُونَ فِيهَا التَّمَاثُلَ، أَبِالْكَيْلِ أَمْ بِالْوَزْنِ؟ فَأَيًّا مَا قَالُوا صَارُوا مُتَحَكِّمِينَ بِالْبَاطِلِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْ آخَرَ يَقُولُ بِالْوَزْنِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْكَيْلِ، أَوْ بِالْكَيْلِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْوَزْنِ، فَأَيْنَ الْمُخَلِّصُ؟ أَمْ كَيْفَ يَبِيعُ النَّاسُ مَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ؟ أَمْ كَيْفَ يَجْتَنِبُونَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّبَا؟ وَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لَا يَحِلُّ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَصِيحَةِ نَفْسِهِ.
وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ لَا يُبَاعَ الصَّاعُ بِالصَّاعَيْنِ إذَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي الدَّيْنِ فَلَا يَصْلُحُ - وَكُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ مِثْلُ ذَلِكَ كَهَيْئَةِ الْمِكْيَالِ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا جَدِّي - هُوَ رَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ: الْعَبْدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةُ خَيْرٌ مِنْ الْأَمَتَيْنِ، وَالْبَعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْبَعِيرَيْنِ، وَالثَّوْبُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ، فَمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسَاءِ إلَّا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَلَا يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute