للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّصِلُ الْأَسَانِيدِ بِالثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ إلَيْهِمْ، لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: ثُمَّ قَالَ فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذِكْرِ " وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " مَفْصُولًا عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي مِجْلَزٍ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا أَثَرٌ، وَخِلَافُهُمْ لِيَقِينِ مَا فِيهِ مَنْسُوبًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ» .

فَقَالُوا هُمْ جِهَارًا: نَعَمْ، وَيَجُوزُ غَيْرُ عَيْنٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَيَجُوزُ عَيْنٌ بِغَيْرِ عَيْنٍ، نَعَمْ، يَجُوزُ تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَبِأَكْثَرَ، فَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَضَائِحُ؟ أَوْ يَبْقَى مَعَ هَذَا دِينٌ أَوْ حَيَاءٌ مِنْ عَارٍ أَوْ خَوْفِ نَارٍ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ وَالدَّمَارِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّا يَبِينُ غَايَةَ الْبَيَانِ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ - نَعْنِي وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ - لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ - وَهُوَ أَيْضًا مُبْطِلٌ لِعِلَّتِهِمْ بِالْوَزْنِ، وَالْكَيْلِ، مِنْ طَرِيقِ ضَرُورَةِ الْحِسِّ، وَبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَصَادِقِ النَّظَرِ، فَإِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجْعَلُ عِلَّةَ الْحَرَامِ فِي الرِّبَا: الْوَزْنَ، وَالْكَيْلَ، وَالتَّفَاضُلَ فِيهِ، وَبَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدْرِي، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ: أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الْبِلَادِ أَشَدَّ اخْتِلَافٍ، فَمَا يُوزَنُ فِي بَلْدَةٍ يُكَالُ فِي أُخْرَى: كَالْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، يُبَاعُ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَزْنًا، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْأَنْدَلُسِ إلَّا كَيْلًا.

وَيُبَاعُ السَّمْنُ وَالدَّقِيقُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَيْلًا، وَلَا يُبَاعُ عِنْدَنَا إلَّا وَزْنًا، وَالتِّينُ يُبَاعُ بَرِّيَّةَ كَيْلًا، وَلَا يُبَاعُ بِإِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ إلَّا وَزْنًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ.

وَلَا سُبُلَ إلَى أَنْ يُعْرَفَ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>