يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرِّمَ كُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا أَوْ نَسِيئَةً، وَكُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا أَوْ نَسِيئَةً، فَيَقْتَصِرُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَتَفْصِيلِهِ لَنَا، عَلَى أَنْ يَقُولَ فِي التَّمْرِ الَّذِي اُشْتُرِيَ بِتَمْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ.
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ قَطُّ أَحَدًا يَفْهَمُ تِلْكَ الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَا رَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى تِلْكَ الْخُرَافَتَيْنِ.
وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ أَرَادَ تِلْكَ الشَّرِيعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ احْتَجُّوا لَهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ، فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ، لَسُخِرَ مِنْهُ، وَلَمَا عَدَّهُ مَنْ يَسْمَعُهُ إلَّا أَلْكَنَ اللِّسَانِ، أَوْ مَاجِنًا مِنْ الْمُجَّانِ، أَوْ سَخِيفًا مِنْ النَّوْكَى.
أَفَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِحِ الْمُوبِقَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُخْزِيَةِ فِي الْعَاجِلِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَوْلًا نَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِنْ مُخَالِفٍ وَمُؤَالَفٍ - وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» قَوْلٌ مُجْمَلٌ، مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] نُؤْمِنُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَنَطْلُبُ بَيَانَهُ مِنْ نُصُوصٍ أُخَرَ، وَلَا نَقْدَمُ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَالدَّعْوَى الْآفِكَةِ عَلَى أَنْ نَقُولَ: أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا، وَأَرَادَ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعْنَى كَذَا -: لَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ، فَطَلَبْنَا ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَدْ بَيَّنَ فِيهَا مُرَادَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ هَهُنَا: " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ " وَهُوَ تَفْسِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُنَالِكَ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ - فَقَطَعْنَا: أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ".
وَشَهِدْنَا بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا لَبَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى ظَنِّ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَأْيِهِ، الَّذِي لَا رَأْيَ أَسْقَطُ مِنْهُ، وَلَا إلَى كَهَانَةِ أَصْحَابِهِ الْغَثَّةِ الَّتِي حُلْوَانُهُمْ عَلَيْهَا الْخِزْيَةُ فَقَطْ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] ، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute