للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ.

وَقَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَصْنَافٍ: أَرْبَعَةً مَأْكُولَةً، وَاثْنَتَيْنِ هُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ، فَقِسْنَا عَلَى الْمَأْكُولَةِ كُلَّ مَأْكُولٍ، وَلَمْ نَقِسْ عَلَى الْأَثْمَانِ شَيْئًا؟

فَقُلْنَا: هَذَا أَوَّلُ الْخَطَأِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلًا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَدَعُوا الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ: دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَيْهِمَا، كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ وَلَا فَرْقَ، فَقِيسُوا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ مَوْزُونٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ كُلَّ مَعْدِنِيٍّ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَعَلَّلْتُمْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالتَّثْمِينِ؟ قُلْنَا: هَذَا عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهُوَ ثَمَنٌ صَحِيحٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِإِجْمَاعِكُمْ مَعَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الِاقْتِصَارُ بِالتَّثْمِينِ عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ وَهَذَا خَطَأٌ فِي غَايَةِ الْفُحْشِ، وَلَازِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، لُزُومًا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ.

وَأَيْضًا: فَمَا الَّذِي جَعَلَ عِلَّتَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ عِلَّةِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ عَلَّلُوا الْأَرْبَعَةَ الْأَصْنَافِ بِالْكَيْلِ، وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ - وَقَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ هَهُنَا عِلَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بَلْ تَرَكَنَا فِي ضَلَالٍ وَدِينٍ غَيْرِ تَامٍّ، وَوَكَّلَنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا، هَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ جِنْسَيْنِ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَ الصِّنْفُ مَكِيلًا بِيعَ بِنَوْعِهِ كَيْلًا بِمِثْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسِيئَةُ - وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ - وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسِيئَةُ، وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ إلَّا فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِمَا سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ نَسِيئَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>