للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَائِزٌ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا نَقْدًا وَنَسِيئَةً، كَاللَّحْمِ بِالْبُرِّ، أَوْ كَالْعَسَلِ بِالتَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ بِالشَّعِيرِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.

وَقَدْ رَغِبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِسَبَبِ انْتِقَاضِهَا عَلَيْهِمْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ، فَلَجَأَ إلَى أَنْ قَالَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ وُجُودُ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ، فَمَا زَادُونَا بِهَذَا إلَّا جُنُونًا وَكَذِبًا بِدَعْوَاهُمْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ: لَا تَتَعَيَّنُ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَهُمْ تَتَعَيَّنُ، وَهُمْ يُجِيزُونَ تَسْلِيمَهُ فِيمَا يُوزَنُ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ السَّخِيفَةِ فِي إزَالَةِ تَنَاقُضِهِمْ.

ثُمَّ أَتَوْا بِتَخَالِيطَ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ مَنْ بَغَى لِفَسَادِ عَقْلِهِ، قَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مُخَالَفَتَهُمْ السُّنَّةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَنْ يَرَى الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ، فَأَجَازُوا التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ يَدًا بِيَدٍ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوا تَسْلِيمَ ثَلَاثِ حَبَّاتٍ مِنْ قَمْحٍ فِي حَبَّتَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ قَعْنَبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ قَوْلٌ " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>