فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ؟ قُلْنَا: وَلَا قَالَ بِعِلَلِكُمْ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَكُمْ، وَأَيْضًا: فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَكُمْ أَنْ تُعَلِّلُوا الْبُرَّ، وَالشَّعِيرَ، وَالتَّمْرَ، وَالْمِلْحَ؟ وَلَا تُعَلِّلُونَ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَكُلُّهَا جَاءَ النَّصُّ بِهِ سَوَاءً، فَمِنْ أَيْنَ هَذَا التَّحَكُّمُ يَا هَؤُلَاءِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا شَبَهُ اللَّعِبِ؟ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ دَعْوَى إجْمَاعٍ، فَقَدْ عَلَّلَ الْحَنَفِيُّونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ، وَعَلَّلُوا الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ بِالْكَيْلِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَلِّلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، أَوْ تَرْكِ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا.
وَقَدْ أَجْهَدْنَا أَنْفُسَنَا فِي أَنْ نَجِدَ لِنُظَّارِهِمْ شَيْئًا يُقَوُّونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعِلَلِ يُمْكِنُ إيرَادُهُ - وَإِنْ كَالَ شَغَبًا - فَمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ.
وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ لَهُمْ شَيْئًا نُورِدُهُ - وَإِنْ لَمْ يُورِدُوهُ - كَمَا نَفْعَلُ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ خَالَفَنَا، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَنْتَبِهُوا لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مُنْتَبِهٌ فَيَشْغَبَ بِهِ، فَمَا قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِمَالِكٍ فِي تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي عَلَيْهِ بَنَى أَقْوَالَهُ فِي الرِّبَا سَلَفًا أَلْبَتَّةَ، لَا مِنْ صَاحِبٍ؛ وَلَا مِنْ تَابِعٍ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَهُمْ تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الرِّبَا، فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَمْ نَذْكُرْهَا هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ، لَكِنْ يَكْفِي مِنْ إيرَادِهَا: أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ ذِي فَهْمٍ كَيْفَ تَكُونُ أَقْوَالٌ بُنِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَفُرُوعٌ أُنْشِئَتْ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: أَبُو ثَوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَالنَّيْسَابُورِيّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ -: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالتَّثْمِينُ - فَمَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، أَوْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، لَمْ يَجُزْ مِنْهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ، لَا يَدًا بِيَدٍ وَلَا نَسِيئَةً، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، فَلَا رِبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَالتَّفَاضُلُ فِيهِ جَائِزٌ، فَأَجَازُوا الْأُتْرُجَّ فِي الْأُتْرُجِّ مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute