وَالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونَ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلَا يُتَأَدَّمُ بِهِ، وَلَا هُوَ حُلْوٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعُنَّابَ وَالْإِجَّاصَ الْمُزَبَّبَ، وَالْكُمَّثْرَى الْمُزَبَّبَ والمخيطاء كُلُّهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ عِنْدَهُمْ - فَاحْتَاجَ إلَى اسْتِعْمَالِ عِلَّةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: الْعِلَّةُ هِيَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ الْمُتَقَوَّتُ بِهِ لِيَصِحَّ لَهُ فِيمَا ظَنَّ إدْخَالُ: الْكَمُّونِ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْخَلِّ، فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَصْلُحُ بِكُلِّ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَفْسَدُ الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاسِدَةً، وَاضِحَةَ الْبُرْهَانِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ إصْلَاحَ الطَّعَامِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ، وَالْخَلِّ، لَا يُشْبِهُ إصْلَاحُهُ بِالْمِلْحِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَطْبُوخَ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ أَصْلًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، إلَّا مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ خَافَهُ، وَإِمَّا إصْلَاحُهُ بِالتَّابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا بِالطَّعَامِ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ إلَّا عَنْ بَذَخٍ وَأَشِرٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ فِي الْعَالَمِ يَدْرِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ أَنَّ إصْلَاحَ الطَّعَامِ بِالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْكُزْبَرِ، وَالشُّونِيزِ، كَإِصْلَاحِهِ بِالدَّارَصِينِيِّ، وَالْخُولَنْجَانِ، وَالْقِرْفَةِ، وَالسُّنْبُلِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَا فَرْقَ، بَلْ إصْلَاحُهُ بِهَذِهِ أَطْيَبُ لَهُ وَأَعْبَقُ، وَأَصْلَحُ مِنْهُ بِتِلْكَ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي إصْلَاحِ الطَّعَامِ بِالْمَاءِ أَشَدُّ وَأَمَسُّ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ بِالْمَاءِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ عِلَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.
وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا ذَكَرَ بَعْضَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَذَكَرَ سَائِرَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ فِي كُتُبِهِمْ مُفَرَّقَةً وَمَجْمُوعَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّهَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخَاذُلِ، وَبِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ - وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ عِلَّةُ الرِّبَا مَا كَانَ ذَا سُنْبُلٍ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَمَا كَانَ ذَا نَوًى قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ، وَمَا كَانَ طَعْمُهُ مِلْحِيًّا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَمَا كَانَ مَعْدِنِيًّا قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute