وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ - وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ فِي مُوَطَّئِهِ، وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ سَعِيدٍ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ.
وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ - وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَدَعْوَاهُمْ هَهُنَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَفِيهِمْ الْجِنُّ، وَالْإِنْسُ - فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرْوَ فِيهَا قَوْلٌ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا أَكْثَرُهَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، وَلَا عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلًا، عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، فَكَيْفَ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ؟ لِأَنَّ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لَا يَرَوْنَ الرِّبَا فِي الْمَاءِ، وَلَا فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا.
فَلَا يَرَوْنَ الرِّبَا فِي: التُّفَّاحِ، وَلَا فِي الْعُنَّابِ، وَلَا فِي حَبِّ الْقَنْبِ، وَلَا فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ، وَلَا فِي الْكُرُنْبِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّهُ يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ وَيُؤْكَلُ - فَبَطَلَ هَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَكْذُوبُ.
وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَلَا قَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَأْتِيَ لَهُمْ بِغَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، وَالتَّثْمِينُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، فَمَا كَانَ يُؤْكَلُ، وَيُشْرَبُ، فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَصْلًا وَلَا بِنَسِيئَةٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ نَقْدًا فَقَطْ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ: جَازَ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ نَقْدًا، وَلَمْ يَجُزْ فِيهِمَا النَّسِيئَةُ.
وَمَا كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ، فَالتَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ، وَالنَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ: جَائِزٌ فِيهِ جِنْسًا كَانَ أَوْ جِنْسَيْنِ - فَأَجَازَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute