للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثُّومُ - وَوَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي اللَّبَنِ، وَالْبَيْضِ، فَإِنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُمَا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ فِيهِمَا، وَوَجَدُوهَا أَيْضًا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَمُّونِ، وَالشُّونِيزِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالْكُزْبَرَةِ، وَالْكَرَوْيَا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قُوتًا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا هَذِهِ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ، وَهِيَ عِلَّةُ مَنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ اطَّرَحُوهَا، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ فِي اسْتِخْرَاجِ غَيْرِهَا بِآرَائِهِمْ لِتَسْتَقِيمَ لَهُمْ آرَاؤُهُمْ فِي الْفُتْيَا عَلَيْهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى الْقُوتِ، وَهُوَ الْبُرُّ، وَأَدْوَنَ الْقُوتِ، وَهُوَ الْمِلْحُ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ بِلَا كُلْفَةٍ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مُسْلِمٍ لِإِطْلَاقِ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

وَلَوْ أَطْلَقَ هَذَا الْمُطْلِقُ مِثْلَهُ عَلَى سَائِسِ حِمَارِهِ بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ لَكَانَ كَاذِبًا مُجَرَّحًا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِك فِي تَنْفِيرِنَا عَنْ مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ.

ثُمَّ لَمْ يَرْضَ سَائِرُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا: لَيْسَ الْمِلْحُ دُونَ الْأَقْوَاتِ، بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى الثُّومِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالشُّونِيزِ، فَارْتَادُوا غَيْرَهَا، كَمَنْ يَتَحَكَّمُ فِي بَيْدَرِ تَمْرِهِ، وَيَأْخُذُ مَا اُسْتُحْسِنَ وَيَتْرُكُ مَا لَمْ يُسْتَحْسَنْ.

فَقَالُوا: الْعِلَّةُ فِي الرِّبَا مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، كَمَا قَالَ أَسْلَافُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ - وَمِنْهَا الْحَلَاوَةُ، وَالِادِّخَارُ، كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ، وَالْعَسَلِ قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ - وَمِنْهَا التَّأَدُّمُ، وَالِادِّخَارُ قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ اسْتَصْنَعَهُ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ السَّلْجَمَ وَالْبَاذِنْجَانَ، وَالْقَرْعَ، وَالْكُرُنْبَ، وَالرِّجْلَةَ، وَالْقِطْفَ، وَالسَّلْقَ، وَالْجَزَرَ، وَالْقُنَّبِيطَ، واليربز إدَامُ النَّاسِ فِي الْأَغْلَبِ.

وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَّخَرُ وَلَا يَقَعُ الرِّبَا فِيهِ عِنْدَهُمْ: كَاللُّفْتِ، وَالْجَزَرِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَاطَّرَحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَلَمْ تُعْجِبْهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَزَادَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ: وَمِنْهَا الْحَلَاوَةُ، وَالِادِّخَارُ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ - فَلَمْ يَرْضَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالَ: لَيْسَتْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفُلْفُلَ، وَالثُّومَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>