ومن صور الإطناب أيضًا: التكرار، ويأتي لأغراض كثيرة؛ منها إبراز المعنى وتقريره في النفس، كما في قول الله تعالى:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}(التكاثر: ٣، ٤) فقد أكد الإنذار بتكراره؛ ليكون أبلغ تحذيرًا وأشدّ تخويفًا، وفي العطف بالحرف "ثم" ما ينبئ بأن الإنذار الثاني أقوى وأشد من الإنذار الأول، ثم نزّل بُعد المرتبة منزلة البعد الزمني، فعطف بـ ثم، وفي هذا دلالة على التدرج في الارتقاء.
ومنها: استمالة المخاطب وترغيبه في قبول النصح والإرشاد، كما في قول الله تعالى:{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْم اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}(غافر: ٣٨، ٣٩) ففي تكرار {يَا قَوْم} استمالة لأنفسهم، وترغيب لهم في قبول الحق والاهتداء، ووراء حرف النداء "يا" الموضوع لنداء البعيد تعظيم لهم وتشريف ورفع لمنزلتهم، وفي إضافة القوم إليه {يَا قَوْم} ما يبدد كل شك ويزيل كل ارتياب في نصحه وإخلاصه لهم. منها: التذكير بنعم الله التي لا تحصى ولا تعد، كما في قوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}(الرحمن: ١٣). فقد ذكر -جل وعلا- نعمه نعمة بعد نعمة في هذه السورة وعقّب كل نعمة بهذا الاستفهام الذي يفيد التنبيه إلى نعمه الكثيرة والتذكير بها.
فإن قيل: قد عقب بهذا الاستفهام ما ليس بنعمة كما في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ}(الرحمن: ٣٥) وقوله: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}(الرحمن: ٤٣، ٤٤) قلت: العذاب وجهنم وإن لم يكونا من آلاء الله، فإن ذكرهما ووصفهما على طريق