ج- صحة انفصال الضمير معها: كقولك: إنما يقوم أنا، وإنما يُكْرَم أنت، وإنما يُعطى نحن؛ وذلك لأنه متى أمكن اتصال الضمير فلا يُعدل إلى انفصاله إلا لغرض، فلا يجوز أن تقول: يُكرم أنت ولا يقوم أنا ولا يُعطى نحن؛ لإمكانك أن تقول: تكرم وأقوم ونكرم ونعطى، فلما صحّ انفصال الضمير مع إنما دل ذلك على أنها بمعنى "ما وإلا"؛ لأن "إلا" لا يليها سوى الضمير المنفصل، كقولك: ما يقوم إلا أنا وما يكرم إلا نحن، وكقول عمرو بن معد يكرب:
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا
قَطَّر بمعنى صرعه صرعة شديدة. ومن ورود الضمير منفصلا بعد "إنما" قول الفرزدق وهو من الذين يستشهد بشعرهم على صحة التراكيب وبلاغتها:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
الذائد: من الذود وهو الدفاع، والذمار: ما يلزم الشخص حمايته من أهلٍ ومال ونحوهما، مأخوذ من الذمر وهو الحث، فقد قصر الشاعر الدفاع عن أحسابهم عليه هو أو مثله؛ قصر صفة على موصوف قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا، ولو قال: إنما أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي لكان قصرًا لدفاعه عن كونه عن أحسابهم، لا عن أحساب غيرهم قصر موصوف على صفة، ويكون قوله:"أنا أو مثلي"، توكيدًا لا مقصورًا عليه، وليس هذا مراد الشاعر؛ لأنه قصد إلى الفخر والاعتداد بنفسه وأنه هو المدافع عن أحسابهم دون غيره، ولم يقصد أنه يدافع عن أحساب قومه دون أحساب غيرهم؛ لأن هذا يتنافى ومقام المدح والفخر، تقول: إنما يفهم البلاغة المتذوق، فتجده أبلغ من قولك: إنما يفهم المتذوق البلاغة؛ لأن الأول أفاد قصر فهم البلاغة على الذوّاقة دون غيره، والثاني أفاد قصر فهم المتذوق على البلاغة دون غيرها من العلوم؛ فالأول هو المناسب لمقام المدح والتعظيم كما ترى.