(الأنعام: ٢٥)، فقد جاء القصر بالنفي والاستثناء في الآيتين؛ لأن المخاطب ينكر الحكم ويدفعه؛ إذ الكفرة لا يُقرون بالوحدانية، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يدفع وينكر كون ما جاء به أساطير الأولين، ويُوقن إيقانًا راسخًا أنه حقٌّ من عند الله، فهذا الطريق -طريق النفي والاستثناء- يستخدم عندما ينكر المخاطب ويجحد الحكم، أو عندما يُنزل تلك المنزلة.
ومثل النفي في إفادة القصر النهيُ والاستفهام، كما في قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: ١٣٥) فقد قصر غفران الذنوب على الله -سبحانه وتعالى- قصر صفةٍ على موصوف قصرًا حقيقيًّا تحقيقيًّا، وطريقه هو النفي والاستثناء؛ لأن الاستفهام في الآية الكريمة مرادٌ به النفي؛ إذ المعنى: لا يغفر الذنوب إلا الله، ومثله قوله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(الرحمن: ٦٠)؛ حيث قصر جزاء الإحسان على الإحسان قصر موصوف على صفة، وطريقه هو النفي والاستثناء؛ لأن الاستفهام بمعنى النفي، وتقول: لا تفعل إلا الخير، لا تصاحب إلا الوفي، لا تعتمد إلا على الله، فتقصر الفعل على الخير والمصاحبة على الوفي والاعتماد على الله، وطريق القصر -كما ترى- هو النهي والاستثناء، والمقصور عليه في طريق النفي والاستثناء هو المستثنى؛ أي الواقع بعد أداة الاستثناء، سواء تقدم أو تأخر، تقول: ما جاء إلا زيد فتقصر المجيء على زيد، ويقول زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم
فقد قصر الحرب على الذي علموه وذاقوه من ويلاتها قصر موصوف على صفة،