وهو في اصطلاح البلاغيين: تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص، فعندما نقول: زهير بن أبي سلمى شاعرٌ لا كاتب، فإننا نخص زهيرًا بصفة الشعر؛ بحيث لا يتجاوزها إلى صفة الكتابة، فزهيرٌ مقصور والشعر مقصور عليه، وقد قيد البلاغيون التخصيص بالطريق المخصوص، ليخرج كل ما أفاد القصر بغير تلك الطرق المخصوصة، فقولنا: زيد مقصور على العلم، وجاء محمد وحده، وعليّ يختص بالشعر، وخالد ينفرد بالشجاعة، وكذا قول أبي ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيتَ كل تميمة لا تنفع
هذه الأقوال -ومثلها قول الله تعالى:{وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}(البقرة: ١٠٥) - هي وإن أفادت اختصاص شيء بشيء إلا أنها لا تدخل في نطاق دراسة البلاغيين، وميدان بحثهم؛ لأن التخصيص فيها ليس وراءه اعتبارات بلاغية تستدعي إفراد البحث بها، كما أنه لم يتم بالطريق المعهود التي حددوها، وهي التقديم كما في قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}(الفاتحة: ٥) والعطف نحو: محمد كاتب لا شاعر، وإنما، كقوله تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}(النازعات: ٤٥) والنفي والاستثناء، كقوله عز وجل:{إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}(فاطر: ٢٣) وأضاف بعضهم تعريف المسند أو المسند إليه بأل الجنسية، وتوسط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر نحو: محمد الجواد، وعليّ هو العالم؛ فهذه الطرق هي الغنية بالاعتبارات والملاحظات دون غيرها، والبلاغيون في دراستهم لأسلوب القصر ينظرون إلى غرض المتكلم من الاختصاص، وإلى حال المخاطب التي وقف عليها المتكلم فأحدث هذا التخصيص، وإلى طريق القصر أي المقصور والمقصور عليه، ثم إلى طرق القصر المشهورة وما بينها من فروق واعتبارات.