وتقول في تمني الشيء المحبوب الذي يمكن حصوله، ولكنه غير مطموع فيه لبعد مناله: ليت لي مالًا فأحج به! ومن ذلك قول الله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(القصص: ٧٩)، فقد تمنوا أن يكون لهم مثل تلك الكنوز التي تنوء مفاتحها بالعصبة أولي القوة، وهي أمنية محببة لنفوسهم وليست مستحيلة، بل هي ممكنة الوقوع ولكنهم لا يطمعون فيها لبعد منالها.
هذا، وقد يقع الأسلوب الخبري في موقع الأسلوب الإنشائي؛ وذلك لأغراض بلاغية يقصد إليها البليغ؛ أهمها: التفاؤل وإظهار الحرص والرغبة في وقوع المعنى الإنشائي وتحقيقه، إدخالًا للسرور على المخاطب ويكون ذلك في الدعاء بأن يقصد المتكلم طلب الشيء، وتكون صيغة الأمر هي الدالة عليه أو طلب الكف، وتكون صيغة النهي هي الدالة عليه، فيعدل عنهما إلى صيغة الإخبار بالماضي الدالة على تحقق الوقوع، وفيه إشعار بأن الدعاء للمخاطب قد حصل وتحقق، من ذلك قول الشاعر:
إن الثمانين وبُلّغتها قد ... أحوجت سمعي إلى ترجمان
ومن هذه الأغراض التي يعبر فيها بالخبر عن الإنشاء: الاحتراز عن صورة الأمر أو النهي المشعرة بالاستعلاء تأدبًا مع المخاطب؛ حيث يقتضي المقام ذلك التأدب، كقولك لمعلمك: ينظر إلي أستاذي لحظة، لا يعاقبني أستاذي. ومن ذلك حمل المخاطب على تحقيق المطلوب وتحصيله وذلك كقول الصديق لصديقه: تزورني غدًا، وكقول الأستاذ لتلاميذه: تأتوني كل صباح، بدلا من