وليفيد كذلك معنى التيئيس: كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(التحريم: ٧). فلا معنى لنهيهم عن الاعتزال في ذلك اليوم، وإنما هو التيئيس، وإعلامهم أنه لن يُقبل منهم ولن يلتفت إليهم، فليس أمامهم إلا الجزاء على كفرهم وضلالهم.
ويأتي النهي أحيانًا مفيدًا لمعنى التفظيع والتهويل: كما في قوله تعالى: "وَلَا تَسْأَلوا عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ"(البقرة: ١١٩). في قراءة مَن قرأ بالنهي، وجزم المضارع أي: لا تسأل عن فرط ما هم فيه من العذاب، وما آل إليه أمرهم من النكال، فإنه لا يستطيع أحد أن يصف لك هول ما هم فيه، أو لا تستطيع أنت سماعه لفظاعته وشناعته، وقد يكون التهويل في النعيم والخير، كأن تقول: لا تسل عن فلان، وتريد فلانًا الذي حل به من الخير والنعيم ما لا يوصف؛ لكثرته ووفرته.
وقد ينهى عن النهي مقيدًا بقيدٍ أو موصوفًا بوصفٍ، ولا يكون الغرض النهي عن الفعل في هذه الحالة، بل النهي عن الفعل مطلقًا، ويكون القيد أو الوصف عندئذٍ للمبالغة في التنفير والتحذير. كقولك مثلًا: لا تضيع دينك بكسرة خبز، ولا تضيع حق جارك الصالح، أنت لا تريد عن ضياع الدين في هذه الحالة، أو عن ضياع حقوق الجار الصالح فقط، كأنك تبيح له أن يضيع دينه إذا غلَا ثمنه، وأن يضيع حقوق جاره غير الصالح، وإنما تريد حثه على التمسك بدينه، وحفظ حقوق جاره مطلقًا. قد قيدت التضييع بكسرة الخبز ووصفت الجار بالصلاح؛ لأن في ذلك مزيدًا من التنفير والتقبيح.