وقد يأتي الأمر تصويرًا للحدث وبيانًا لكيفية وقوعه انقيادًا وإظهارًا لقدرة الله تعالى، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}(فصلت: ١١)، وقوله:{فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}(البقرة: ٢٤٣)، وقوله:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس: ٨٢). فالأمر في الآيات الكريمة: راِئْتِيَا}، رمُوتُوا}، ركُنْ}، يصور حالَ الحدثِ وسرعةَ وقوعِه، وانقياده لأمر الله تعالى. في هذا من الدلالة على القدرة البالغة ما لا يخفى على صاحب الذوق الرفيع. وتأمل ما في الآيات من أمر يعقبه استجابة سريعة، ثم قارن بينه وبين أن تقول: فأماتهم الله ثم أحياهم، إنما أمره إذا أراد شيئًا يكون، فأمرهما بالطاعة فأطاعتَا، فستجد أن تصوير الحدث وبيان كيفية وقوعه وانقياده الخاطف لقدرة الله تعالى قد ولَّى وذهب من هذه الأقوال.
وقد يأتي الأمر بالفعل مرادًا به الحث على الاتصاف بصفة معينة: كما في قولك: مُت وأنت كريم، مت وأنت تقي، صلِّ وأنت خاشع، واقرأ وأنت يقظ. فأنت في هذه الأقوال لا تريد أمره بالموت ولا الصلاة ولا القراءة، وإنما تريد أن تحثه على تلك الصفات المذكورة، وهي: الكرم، والتقوى، والخشوع، واليقظة، وأن يحافظ ويستمر على الاتصاف بها، ويحرص على ذلك طوال حياته، فهذا هو الأولى به واللائق بأمثاله من الكرماء الأتقياء.
ومثل الأمر في ذلك: أسلوب النهي، تقول: لا تصلِّ إلا وأنت خاشع، لا تمت إلا وأنت كريم. ومرادك من هذا النهي أن تحثه على الخشوع والكرم، لا أن تنهاه عن الصلاة والموت.