ويأتي الأمر كذلك للنصح والإرشاد: وذلك إذا تضمن نصيحة لم تكن على وجه الإلزام، كما في قول الله تعالى:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(لقمان: ١٧)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: ((إن أردت أن تسبق الصديقين؛ فَصِلْ مَن قطعك، واعط مَن حرمك، واعف عمن ظلمك)) ففي الآية الكريمة يوصي لقمان ابنه بتلك الفضائل. في الحديث ينصح -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- أن يتحلى بتلك الخصال الحميدة. ولا يقال: إن الأمر هنا للوجوب، إذ المأمور به واجب؛ لأن المأمور به إنما يكون واجبًا إذا وردت تلك الأوامر في مقام الأمر والإلزام من الله -عز وجل-.
أما ورودها هنا على لسان لقمان في الآية، وعلى لسان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث، فإن المقام يقتضي أن تكون للنصح والإرشاد. ومن هذا القبيل: تلك الأوامر التي ترد على ألسنة الوعاظ والمرشدين والموجهين؛ فهم يريدون منها النصح والإرشاد، وأن يعبروا عما يضمرونه من حب وإخلاص لأتباعه. وهذا هو سر التعبير في أسلوب الأمر في مقام الإرشاد والنصح.
ويأتي الأمر كذلك للإكرام: كما في قول الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}(الحجر: ٤٦). وهذا مراد به الإكرام للمؤمنين، وهو شائع بين الناس. فإنك تقول لضيفك وهو مستمر في الأكل والشرب: كُلْ، واشرَبْ، وقد تقسم عليه أن يأكل ولا تقصد إلا زيادة إكرامه، وأن تصور ما في خلجات نفسك من حب له وسرور به.
وقد يأتي الأمر بتصوير حال المتكلم والدلالة على ما هو فيه من الحيرة والتخبط: كما في قول الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}(الأعراف: ٥٠). فأصحاب النار يعلمون يقينًا أن ما في