كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (البقرة: ٢٣). فليس المراد بالأمر في الآية الكريمة التكليف والإلزام والإتيان بسورة من مثله، وإنما المراد إظهار عجزهم عن الإتيان؛ لأنهم إن حاولوا ذلك الإتيان بعد سماع صيغة الأمر ولم يمكنهم ذلك، بَدَا عجزهم وظهر.
وسر بلاغة التعبير بالأمر في مقام التعجيز إبراز قوة التحدي والتسجيل عليهم؛ ليتعظوا ويقلعوا عما هم فيه من عنادٍ ومكابرةٍ. ومن ذلك قوله تعالى:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة: ١١١)، وقوله:{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران: ١٦٨)، وقوله:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}(لقمان: ١١). فلا يخفَى عليك ما في هذه الآيات من قوة التحدي والتسجيل على المخاطبين وإبراز عجزهم، وفي ذلك لفتهم إلى النظر في حالهم، والتفكر فيما هم فيه من عناد ومكابرة، وسوء تقدير.
يا آل بكر انشروا لي كليبًا ... يا آل بكر أين أين الفرار
فهو يهددهم بالويل والثبور، ويطلب منهم إعادة كُليب إلى الحياة؛ وإعادة كليب إلى الحياة من المحال. فالأمر في قوله: انشروا لي؛ للتعجيز. وسر بلاغة التعبير بأسلوب الأمر في البيت: إشعارهم بأنه لا منجى لهم ولا مهرب، وأنه آخذ بثأره منهم لا محالة.