واستعمال الأمر في معنى الإباحة كثير في آي الذكر الحكيم، من ذلك قول الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}(البقرة: ١٨٧) فالمراد من الأمر في الآية الكريمة إباحة الأكل والشرب في ليالي رمضان حتى طلوع الفجر. في التعبير بصيغة الأمر مكان الإباحة حثٌّ على تناول السحور، وكأنه أمر مطلوب مرغوب فيه، ومثل ذلك: قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}(الجمعة: ١٠) وفيه: حثٌّ على العمل، وابتغاء الرزق.
ويأتي الأمر للتخيير بين شيئين أو أشياء بحيث يختار منها السامع. كما في قول بشار:
فعش واحدًا أو صِلْ أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانب
فهو يخير مخاطبه بين أمرين: العيش واحدًا منعزلًا، أو صلة الإخوان ومخالطتهم مع التجاوز عما يكون منهم من إساءات؛ فتلك لا بد منها على حد قول الآخر:
وليس بمستبقٍ أخًا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب
هذا، والفرق بين الإباحة والتخيير: أن الإباحة إذن في الفعل وإذن في الترك، فهو إذنان معًا. أما التخيير: فهو إذن في أحدهما من غير تعيين؛ ولذا فالتخيير لا يجوز الجمع بين الشيئين والإباحة تجوزه.
ويأتي الأمر للتهديد ويكون في مقام عدم الرضا بالمأمور به، كما تسمع من الرئيس يقول لأحد مرؤوسيه: افعل ما بَدَا لك، أو من السيد يقول لعبده: دم على عصيانك فالعصا أمامك، فليس المراد من الأمر في الموضعين الامتثال أي: فعل ما أمر به، ولكن المراد هو التهديد والوعيد.