يقصد قصد مفعول ولا حذفه، ويتوجه بالنهي إلى نفس التقدمة، كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل ولا تجعلوه منكم بسبيل، كقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}(المؤمنون: ٨٠). ويجوز أن يكون من قدم بمعنى: تقدم.
كذا في (الكشاف).
وقد يحذف المفعول؛ حتى لا يقع عليه الفعل؛ وذلك لمزية بلاغية وهدف يقصد إليه المتكلم. وانظر في ذلك إلى قول الله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}(الفرقان: ٤١). فالأصل: أهذا الذي بعثه اللهُ رسولًا، فحذف المفعول وهو الضمير العائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا الحذف ينبئ بحقد المشركين على النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ويصور مدى كراهيتهم له، حتى كأنهم لا يطيقون النطق بالبعث واقعًا عليه، فهم يتحاشون مجرد النطق بالبعث منسوبًا إليه، فضلًا عن الإيمان بذلك والتصديق.
وخذ قول الله تعالى:{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}(الضحى: ١: ٣). فقد حذف المفعول، وهو الضمير العائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما تقديره: وما قلاك؛ وذلك لصونه عن نسبة القلي إليه؛ متحاشيًا لوقوع الفعل:{قَلَى} على ضمير المخاطب، ولو كان هذا الفعل منفيًا؛ لأن في ذلك ما يوحش بخلاف:{وَدَّعَكَ} فليس التوديع كالقلي. وحذف المفعول في الآية له مزية أخرى وهو رعاية الفاصلة والمحافظة على التنغيم الصوتي؛ لما له من قوة تأثير في النفوس، وذلك عندما يقتضيه المقام ويتطلبه المعنى، وهذا هو شأن الفواصل في النظم الكريم، هي تأتي تابعة للمعنى ومحققة لما يقتضيه المقام.
وعندما يتطلب المعنى ويقتضي المقام التخلي عن تتابع الفواصل؛ تجد الفاصلة قد قطعت وما يقتضيه المعنى قد أُقِر وأثبت، واقرأ قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي