فهنا يقصد قومه بالجبن والفرار، وأنهم لم يبلوا في الحرب بلاء، ولم يصنعوا شيئًا يستحقون به الحمد والثناء. فما كان منه قد حبس لسانه وقطعه عن النطق مشيدًا بهم، ولو كان منهم جهاد وبلاء حسن لنطق وأشاد به. هذا هو المعنى، وتجد الشاعر قد سكت عن المفعول وطواه في قوله: ولكن الرماح أجرت؛ لأن غرضه: أن يثبت أنه كان من الرماح إجرار وحبس للألسنة عن النطق، ولو قال: أجرتني لجاز أن يتوهم أنها أجرت لسانه هو دون ألسنة غيره، وأن الرماح قد صنعت شيئًا لو أبصره غير عمرو؛ لأشاد به ونطق، فلما كان في تعدية أجرت ما يوهم ذلك، وقف فلم يعد البتة ولم ينطق بالمفعول؛ لتخلص العناية لإثبات الإجرار للرماح، ويصحح أنه كان منها، وتسلم بكليتها لذلك. كذا في (الدلائل).
ويرى الخطيب: أن غرض الشاعر أن يثبت أنه كان من الرماح إجرار وحبس للألسنة عن النطق بمدحهم والافتخار بهم؛، حتى يلزم بطريق الكناية مطلوبه، وهو أنها أجرت لسانه هو، فإثبات الإجرار للرياح مطلقًا يستلزم إطلاقه مقيدًا. كذا في (الإيضاح).
ولا يخفى عليك، أن الاعتداد بالمعنى المكنى به أولى وأبلغُ في تحقيق مراد الشاعر من الاعتداد بالمعنى المكنى عنه؛ ولذا كان رأي عبد القاهر أدق، وعباراته وتحليلاته لطي المفعول أولى بالقبول، وما كان أغنى الخطيب عن القول بالكناية، وعن ذلك التحديد القائل للمغزى من الحذف. إن ما ذكره مستمد من كلام عبد القاهر، ومحاولة لإيجازه وتحديده، ولكنه إيجاز مخل، وتحديد قد قتل روح التذوق والاستمتاع.