للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: دفع توهم عدم الشمول كقولك: عرفني الرجلان كلاهما، وجاءني القوم كلهم؛ فإنك لو قلت: عرفني الرجلان وجاءني القوم بلا تأكيدـ لتوهم أن أحد الرجلين هو الذي عرفك وأن بعض القوم قد جاء والبعضُ لم يأت ِ، ولكنك لم تعتد بمن لم يعرفك ولا بمن لم يأت فأطلقت الكل وأردت البعض على سبيل المجاز، ودفعًا لهذا التجوز وهذا التوهم جاء التوكيد لإفادة الشمول والعموم، ومن ذلك قول الله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (آل عمران: ٩٣) وقوله -عز وجل-: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} (طه: ٥٦) وقوله -عز وجل-: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} (القمر: ٤١، ٤٢) وقوله -تبارك وتعالى-: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} (الحجر: ٣٠، ٣١).

ولا يخفى عليك ما في الآية الأولى من إشارة إلى عظم النعمة، حيث أحل لهم كل الطعام، كما لا يخفى عليك ما في الآيات الأخرى من إشارة إلى فظاعة تكذيب فرعون وقومه، فقد كذبوا بالآيات كلها وإلى فظاعة استكبار إبليس اللعين حيث سجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا هو أبى واستكبر وكان من الكافرين.

هذا؛ ولفظ كل تارة يقع تأكيدًا وذلك عندما يستخدم مع المعارف كما في الشواهد المذكورة، ومعنى وقوعها تأكيدًا: أن الشمول مفاد بدونها فهي تأتي لتوكيده ودفع توهم غيره -كما رأيت - وتارة تقع تأسيسًا وذلك عند إضافتها إلى النكرات كما في قول الله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون: ٥٣) وقوله -عز وجل-: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}

<<  <   >  >>