ويؤتَى بالمسند إليه منكرًا أيضًا لإفادة التكثير مثل قولهم: إن له لإبلًا وإن له لغنمًا؛ أي: إن له لإبلًا كثيرة وغنمًا وفيرة، ومن هذا القبيل على ما ذهب إليه الزمخشري قول الله تعالى حكايةً عن سحرة فرعون:{إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا}(الأعراف: ١١٣) يريدون معنى التكثير؛ أي: إن لنا قدرًا وفيرًا من الأجر. ويحق لك أن تسأل: كيف يفيد التنكير هنا التكثير مع أن الأصل في النكرة الإفراد؟ وللإجابة أقول: إن التنكير يشعر بعدم الإحاطة بالمنكر، وهذا يدل على أنه كثير بالغ الكثرة، ومن هنا كانت إفادة التنكير للتكثير كما أن المقام وصيغة الكلمة لهما دخل، ومن التنكير لهذا الغرض قول الشاعر:
وفي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر
أي: نجوم كثيرة، وقد اجتمع التكثير والتعظيم في قول الله تعالى:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}(فاطر: ٤) وقد نكر المسند إليه وهو رسل بقصد إفادة التعظيم والتكثير باعتبارين مختلفين؛ فعلى اعتبار أنهم أصحاب شأن عظيم يحملون آيات عظامًا لمن أرسلوا إليهم يكون التنكير للتعظيم، وعلى اعتبار أنهم ذوو عدد كثير يكون التنكير للتكثير، ومما أفاد تنكير المسند إليه فيه التكثير والتعظيم معًا قول الشاعر:
له هِمم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
فقد أفاد تنكير همم التكثير والتعظيم؛ أي: همم كثيرة عظيمة؛ ولذا قال: لا منتهى لكبارها أجل من الدهر، فدل الأول على الكثرة، ودل الثاني على التعظيم والتفخيم.
ويؤتى بالمسند إليه منكرًا أيضًا لإفادة التقليل كما في قول الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ُوَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}(التوبة: ٧٢) أي: