قائلا يا قوم قريش!! إن حجاج قبيلتى الأوس والخزرج بايعوا محمدا، وعزموا على تقديم العون له فى كل الأمور وشوش أفكار قريش تشويشا، وإن كانت قريش أرادت أن تمد إلى الأنصار يد الأذية والتسلط.
إلا أن الأصحاب الكرام دافعوا عن أنفسهم بإلقاء، خطب تشتمل على التهديد، وأظهروا الحسام عند خصامهم لشرذمة المشركين الحقيرة، وظهروا بأنهم متفقون ومتعاهدون مع كثير من أقوام العرب والعجم للدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهكذا نجوا من شرارة الثأر التى أوقدها «أزب العقبة» بعون الله خير الحافظين، وعادوا إلى ديارهم.
وإن كان أهل مكة يطلقون على هذا المسجد «مسجد العشرة» ويذهبون إلى أن هذا المسجد مسجد «العشرة المبشرين» إلا أن هذا الرأى ظاهر الخطأ؛ لأن المسجد المذكور شهد بيعة نقباء الأنصار الذين أتوا قبل الهجرة من المدينة المنورة وأسلموا وهم: أسعد بن زرارة (١) وعوف ومعاذ (٢) ابنا عفراء (٣)، رافع بن مالك (٤)، العباس بن عبادة (٥)، منذر بن عمر (٦)، عبادة بن الصامت (٧)، يزيد بن ثعلبة (٨)، عقبة بن عامر (٩) قطبة بن عامر بن حديدة (١٠) أبو الهيثم بن التيهان (١١) عويم بن ساعدة ذكوان بن عبد قيس الزرقى.
إذا ما نظر إلى حكم الصورة الثانية من الوجهة الخامسة لمرآة المدينة نجد أن حكم هذه الرواية ضعيف أيضا.
لأن اليوم الذى بايع فيه النقباء كان معهم ثلاثة وسبعون من رفقائهم، وإذا كان المراد من مسجد العشرة نقباء الأنصار العشرة الذين وجدوا فى يوم البيعة، فإن المكان لم يحظ بهؤلاء النقباء فقط وفى الواقع إن كلمة العشرة، تورد على خاطرنا أن أرض هذا المسجد هى مكان بيعة العشرة أشخاص الذين بايعوا النبى، وإذا حكمنا بصحة هذه الخواطر، فيقتضى الأمر أن يكون هؤلاء من أصحاب البيعة الثانية (١) التى وقعت بعد الولادة النبوية باثنين وخمسين سنة، لأن البيعة المذكورة قد تمت فى موقع مسجد العشرة، وكان عدد المبايعين عشرة أشخاص
(١) أنظر فى بيعة العقبة ابن هشام ٨١/ ٢، وابن سعد ١٤٨/ ١/١، والطبرى ٣٦٠/ ٢، وجوامع السيرة لابن حزم ص ٧٤، وابن كثير ١٥٨/ ٣، والدرر لابن عبد البر ص ٦٧ - ٧٤. وغيرها.