نَعَمْ كَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُحْضِرْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ بِمَا يَدَّعِيهِ، أَوْ عَلَى إِقْرَارِ الْمَعْزُولِ بِمَا يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُ أَحْكَامِهِ عَلَى الصَّوَابِ، فَيَكْفِي هَذَا الظَّاهِرُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقَامُ فِي غَيْبَتِهِ، وَيُحْكَمُ بِهَا لَكِنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَكُونَ إِحْضَارُهُ ثَبَتَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي شُهُودًا يَعْرِفُ الْقَاضِيَ بِهِمْ أَنَّ لِدَعْوَاهُ أَصْلًا وَحَقِيقَةً، ثُمَّ إِذَا حَضَرَ الْمَعْزُولُ ادَّعَى الْمُدَّعِي، وَشَهِدَ الشُّهُودُ فِي وَجْهِهِ، فَإِنْ أُحْضِرَ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَأَقَرَّ، طُولِبَ بِمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ كَالْمُوَدِّعِ وَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ، وَالْإِصْطَخْرِيُّ، وَصَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ، وَالْبَغَوِيُّ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ حَتَّى إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ ظُلْمًا بِالْحُكْمِ جَرَى الْخِلَافُ فِي أَنَّ إِحْضَارَهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَأَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ هَلْ يُحَلَّفُ؟ وَلَوِ ادَّعَى عَلَى نَائِبِ الْمَعْزُولِ فِي الْقَضَاءِ، فَهُوَ كَالدَّعْوَى عَلَى الْمَعْزُولِ، وَأَمَّا أُمَنَاؤُهُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ فَلَوْ حُوسِبَ بَعْضُهُمْ فَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: أَخَذْتُ هَذَا الْمَالَ أُجْرَةَ عَمَلِي، فَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ، لَمْ يَنْفَعْهُ تَصْدِيقُهُ، بَلْ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، بَلْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِجَرَيَانِ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ.
وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ مَجَّانًا. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً، هَلْ يَسْتَحِقُّهَا؟
فَرْعٌ
لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْقَاضِي الْبَاقِي عَلَى قَضَائِهِ، نُظِرَ إِنِ ادَّعَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ، حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، وَإِنِ ادَّعَى ظُلْمًا فِي الْحُكْمِ، وَأَرَادَ تَغْرِيمَهُ، لَمْ يُمْكِنْ، وَلَا يَحْلِفُ الْقَاضِي وَلَا تُغْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute