للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرْعَانِ

ذَكَرَهُمَا الْهَرَوِيُّ، أَحَدُهُمَا: قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ هَذَا الْأَمِينِ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ أَيَّامَ قَضَائِي لِيَحْفَظَهُ لِزَيْدٍ، وَقَالَ الْأَمِينُ: إِنَّهُ لِعَمْرٍو، وَمَا قَبَضْتُهُ مِنْكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ، وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَى الْقَبْضِ مِنْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ بِحُكْمِ الْقَاضِي هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَهُ، وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ الْقَاضِي. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ: وَعَلَى هَذَا تَفَقَّهْتُ، وَأَدْرَكْتُ الْقُضَاةَ.

الْخَامِسَةُ: لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَتَبُّعُ أَحْكَامِ الْقَاضِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا السَّدَادُ، وَلَهُ التَّتَبُّعُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ احْتِيَاطًا. وَإِذَا جَاءَهُ مُتَظَلِّمٌ عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ، وَطَلَبَ إِحْضَارَهُ، لَمْ يُسَارِعْ إِلَى إِجَابَتِهِ، فَقَدْ يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ، بَلْ يَسْأَلُهُ عَمَّا يُرِيدُ مِنْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ، أَوْ إِتْلَافًا أَوْ غَصْبًا، أَحْضَرَهُ، وَفَصَلَ خُصُومَتَهُمَا، كَغَيْرِهِمَا. وَلَوْ قَالَ: أَخَذَ مِنِّي كَذَا عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، أَوْ أَخَذَ مِنِّي مَالًا بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى فُلَانٍ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَخْذَ كَالْغَصْبِ، وَأَمَّا فُلَانٌ الَّذِي ادَّعَى الدَّفْعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَخَذْتُهُ بِحُكْمِ الْمَعْزُولِ لِي، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَا قَوْلُ الْمَعْزُولِ لَهُ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى حُكْمِ الْمَعْزُولِ لَهُ أَيَّامَ قَضَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةً، انْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ لِي، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْآخِذُ مِنَ الْمُدَّعِي لِحُكْمِ الْمَعْزُولِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُتَظَلِّمُ لِلْآخِذِ، بَلْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ وَنَحْوِهُمَا، فَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ، وَلَا يُصْغَى إِلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ خَطَأٌ لَا نَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، بَلِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنْ دَعَوَاهُ مَسْمُوعَةً، وَبَيِّنَتُهُ مَحْكُومٌ بِهَا، وَلَكِنْ هَلْ يَحْضُرُ الْمَعْزُولُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>