الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إِذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ الِانْعِزَالِ: كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ مَعَ آخَرَ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: نَعَمْ، وَالصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ حَاكِمًا جَائِرَ الْحُكْمِ حَكَمَ بِكَذَا، وَلَمْ يُضِفْ إِلَى نَفْسِهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ شَهِدَتِ الْمُرْضِعَةُ بِرَضَاعٍ مُحَرِّمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَهَا.
وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَوَجَبَ الْبَيَانُ، لِيَزُولَ اللَّبْسُ، وَالْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، قُبِلَتْ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَإِنْ عَلِمَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَضَافَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُمَا إِذَا عَلِمَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قُبِلَ قَطْعًا لِجَوَازِ إِرَادَةِ غَيْرِهِ.
وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَوْ شَهِدَ الْمَعْزُولُ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِكَذَا، وَشَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَنَّ الْمَعْزُولَ حَكَمَ بِهِ، وَجَبَ أَنْ نَقْبَلَ، لِأَنَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا نَعْتَنِي إِلَّا بِتَصْحِيحِ الصِّيغَةِ.
قُلْتُ: الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ شَهِدَ الْمَعْزُولُ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ حُكْمِي بِكَذَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فِعْلِهِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ: حَكَمْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا، كَقَوْلِ الْمَعْزُولِ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ قَبْلَ الْعَزْلِ: حَكَمْتُ بِكَذَا، فَيُقْبَلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي الْحَالِ وَحَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ: نِسَاءُ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى حُجَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute