الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة إننا نعلم أن من الناس من لا يعجبه مثل هذا القول، ولكن لنعلم جيداً أن الله جل وعلا قد جعل وظيفة الأنبياء ومن ورثهم أن يقودوا الناس إلى الهدى، لا أن يسمعوا الناس ما يشتهون، فتجد من الناس من يقول: نسمع من فلان ما نشتهي، ونسمع من فلان كذا، ونسمع من فلان كذا، وفلان على حظه من الخير إن وفق إلى الخير، وعلى حظه من الأجر إن اجتهد فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب خيراً فله أجران، وعلى حظه من الإثم إن أراد شيئاً ظاهره أمر وباطنه غيره.
أيها الأحبة في الله إن من واجبات العدل في مجتمعنا أن ننظر إلى ما نحن فيه من خير فننميه، وأن نتأمل ما نحن فيه من شر أو خطأ أو نقيصة فنتعاون ونتناصح على إزالته وعلى إصلاحه، وأن يكون هذا دأبنا وديدننا وحرصنا، كما نحرص على أرزاقنا وأنفسنا وأموالنا وذرياتنا، وإني أعجب -أيها الإخوة- من أناس يوم أن يروا حسنة من الحسنات من أناس قد ضل منهجهم أو غاب الوضوح في رأيهم، وجدتهم يطنطنون بها ويذكرونها، وشكراً لهم على ذكر الحسنة في مكانها، ولكن ينبغي ألا تكون الحسنة بمعزل عن ذكر تلك الخطيئة والسيئة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غيره، فتجد من ينظر بعين فيها هوىً وميل، يحرص أن يئول كل زلة، وأن يستر كل خطيئة، وأن يبعد عن مناقشة كل أمر، فلا تراه يذكر إلا ما يشتهي الناس، أو ما تشتهي الأمة.
إن الله جل وعلا قال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:١٠٥] فالدليل والنص والآية والحديث تجر الناس إلى التصور الصحيح وإلى الفهم السليم، لا أن يسمع الناس ما يشتهون، لا أن يقولوا ما يريدون، وقد حصل لي في أزمة الخليج محاورات كثيرة مع أناس منهم من رفع الصوت، ومنهم من خفضه، ومنهم من اغتاب، ومنهم من ذكر، والله إني أسأل الله أن يغفر لهم، ولكني قلت: لن أقول ما يشتهي الناس، وإنما أقول ما بلغه عقلي بعد اهتداء بهدي من الله وكلام رسول الله، وبعد إدراك لما رآه علماء الأمة، فإن كانت الآية والحديث دلالتها قطعية، فالصغار والكبار لا يجوز لهم أن يحيدوا عنها قيد أنملة، وإن كانت دلالة الدليل ظنية فليس اجتهاد فلان بأولى من علان، وإذا وضعت اجتهادين: اجتهاد من عاصر أمماً عديدة وعاصر دولاً عدة وسبر الأمور، وشابت شيبته في الإسلام، وعرف عنه الهدى والتقى والصلاح والعفاف والبعد عن مصالح الدنيا، أفترون من العقل أن أترك اجتهاده لعلمه وحلمه وورعه وصلاحه لاجتهاد غيره؟ حينئذ إذا اتبعت الحق بما شرح صدرك إليه فلا يضيرك من خالفك، صغيراً كان أم كبيراً، المهم أن يكون قصدك ما يرضي الله جل وعلا، المهم إذا وقفت يوم القيامة بين يدي الله وقيل لك: لماذا قلت كذا وكذا؟ تقول: هذا خير يا رب شرح صدري إليه، أو شرحت صدري إليه على دليل من الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة الذين أرشد الله إليهم {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣] وقول الله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ}[النساء:٨٣].