[ابذلوا أموالكم ودعاءكم في نصرة المجاهدين]
الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أمة الإسلام: متى نبلغ مرحلة نتجاوز فيها وصف الأحداث، وتحليل الوقائع؟ متى نبلغ مرحلة يكون الحدث إشارة لانطلاق الفعل؟ متى نبلغ مرحلة تكون الواقعة انفجاراً تجاه المطلوب؟ متى نبلغ مرحلة تكون المذابح والمآسي بداية أو انطلاقة لنقدم ما ينبغي، لنبذل ما يجب، لنتفاعل على الوجه الصحيح، أما أن نتقلب في وصف الأحداث، ونخرج من الجوامع والمساجد، قالوا عن اليوغسلافيين كذا، وقالوا عن الألبان كذا، وقالوا عن الأفغان كذا، ثم نعود بعد ذلك كما قال شاعر قوم عاد:
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التنامي
نتقلب على الفرش، وبين الضياع والزوجات.
معاشر المؤمنين: علينا أن ننتقل من مرحلة وصف الأحداث، ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا علي أن أفعل؟ وماذا ينبغي لي؟ فإن سمعت الجواب وإلا فاسأل، حتى تبلغ الجواب.
معاشر المؤمنين: تعودنا في أحداثنا أن نكون كما قيل: أوسعتهم شتماً وأودوا بالإبل، إننا لو لعنا الصربيين من الآن إلى ألف سنة قادمة، هذا لا يغني عن خطوة إيجابية في كفالة يتيم، أو تجهيز مجاهد، أو إرسال سلاح، أو شراء عتاد ينفع إخواننا هناك، أما أن نردد المآسي، وأن نذكر المصائب، فنحن كمن يصف سيارة اتجهت لكي تدهس بيته وأولاده، فأخذ يرقب النافذة، ويقول: السيارة اقتربت، السيارة دنت، السيارة وصلت، إلى أن تدهسه وبيته في مكانه، هذا لا يجدي ولا ينفع.
عادتنا أن نصف الأحداث وننتظر غيرها، كما قال القائل:
حرب حزيران انتهت
وكل حرب بعدها ونحن طيبون
تغلل اليهود في بلادنا ونحن عائدون
ناموا على فراشنا ونحن راجعون
وصوت فيروز من الفردوس يأتي عائدون
حرب حزيران انتهت
جرائد الصباح ما تغيرت
الصور العارية النكراء ما تغيرت
إذا خسرنا الحرب لا غرابه
لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
بمنطق الطبلة والربابه
إنا نتوق لألسن بكم على أيد فصاح
الكفر جمع شمله فلمَ النزاع والانتطاح
يا ألف مليون وأين هم إذا دعت الجراح
هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح
من كل ألف واحداً نغزو بهم في كل ساح
ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد في المسند عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة) ولكن قبل أن نفيض في هذا السؤال، وندع لكم الجواب، ولنسأل بهمسة: هل نحن جادون في خدمة الإسلام؟ هل نحن جادون في التضحية للإسلام؟ إن من ادعى الصدق سيسأل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:٨] إن العمل لا يقبل إلا بإخلاص وصدق، ومن ادعى الصدق فسوف يسأل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:٨] أسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه.
أحبابنا! الدعاء الدعاء في كل سجود في الفرائض، وفي الوتر والنوافل والرواتب، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:٧٧] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] وهل ضرورة واضطرار أعظم من هذه؟ لا والله.
فيا عباد الله: الدعاء الدعاء، والله لأن تجمع أطفالك وصبيانك المميز وغير المميز, والصغير والكبير، ثم ترفع يديك وتدعو وهم يؤمّنون، لهذا مما تبذله وتقدمه لإخوانك في يوغسلافيا.
كذلك -أيها الأحبة- ماذا خصصنا من أموالنا شهرياً حتى تنجلي هذه الغمة؟ مصيبة ليس لها من دون الله كاشفة، ماذا قدمنا؟ نخصص للخادمة كل شهر خمسمائة ريال، ونخصص للسائق كل شهر ألف ريال، فماذا خصصنا للضحايا والأيامى واليتامى الأرامل والمنكوبين والمساكين، مرة واحدة أدخلنا اليد في الجيب، ثم قذفنا بمائة أو أكثر أو أقل وانتهت العهدة، وكأنها شقت عنان السماء.
لا بد أن يستمر البذل، ولأجل ذلك فسنستمر في هذا المسجد في كل شهر جمعتان، الجمعة الماضية وقبل الماضية والجمعة القادمة، وسنستمر بعد كل جمعة، سنجمع لهذه النازلة إلى أن يأذن الله بالفرج، إلى أن نعذر, ولا أدري كيف نعذر ونحن نقدر على ما هو أكبر.
معاشر المؤمنين: هذا أقل ما نفعله، ألا تجتمعون على طعام إلا وقد بذلتم شيئاً من قيمة ما تلذذتم به، لكي يواسى به من جرح هناك، ولا زواج ولا زفاف ولا عقيرة أو تيرة أو وكيرة أو أي مناسبة، إلا وقد بذلتم من الأموال ما تتذكرون به أثناء لذتكم بالطعام والشراب، تتذكرون به من يتضورون جوعاً، ويموتون حفاة عراة، وينبغي أن نستمر.
فينا -معاشر المسلمين- مللٌ من قضايانا، كثير من الناس ملّ قضية فلسطين، وإن جاوزت الستين عاماً، وكثير من الناس بلغ قلبه حنجرته، وظن بالله الظنونا، لما بلغ الجهاد عنق الزجاجة، وتآمرت الهيئات الدولية، وبعد هذا كله أذن الله بفرج من عنده، إذا انقطعت أسباب الأرض، تفتحت أبواب السماء، ولا يبلغ العبد حقيقة التوكل، إلا إذا قطع التعلق والرجاء والطلب من البشر، وتعلق بالله جل وعلا، حينئذٍ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١٠ - ١١].