الحمد لله الواحد الأحد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وهو الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
عباد الله! قد مضى عام كامل بتمامه، ما مضى منه لا يعود أبداً، لو بذلت البشرية، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لو اجتمع الجن والإنس، ولو استخدموا كل ما سخر لهم من الوسائل، لو اجتمعوا أن يردوا يوماً واحداً من هذا العام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، هذا دليل الفراق والزوال، إذا أصبح صباح يوم ينادي مناد: يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود، فاغتنموا شبابكم قبل هرمكم، واغتنموا صحتكم قبل سقمكم، واغتنموا غناكم قبل فقركم، واغتنموا فراغكم قبل شغلكم، وقدموا في حياتكم قبل موتكم.
واعلموا أن الموت ليس هو النهاية، بل إن بعد الموت دار، وما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار، فنسأل الله جل وعلا لنا ولكم السلامة من ذلك، تفكروا يا عباد الله فيما قضيتم أيام عام كامل، ثلاثمائة واثنين وستين يوماً، كيف قضيتموها؟ فيم أبليتموها بلياليها وأيامها، بساعاتها ودقائقها؟ هل قدمتم فيها عملاً يسركم أن تلاقوه أمامكم؟ هل بذلتم فيها أعمالاً يسركم أن تكون أنيساً لكم في قبوركم؟ هل قدمتم فيها شيئاً ينفعكم يوم العرض الأكبر على الله؟ إن الكثير لفي غفلة، يمر العام بعد العام، ولا يبالي بتوالي الشهور والأعوام، لا يدري ماذا قدم، ولا يدري بما يشتغل، أهو في حلال أم حرام؟ أهو في مباح أم بلاء؟ لا يدري في أي واد هلكت أوقاته، ولا في أي شيء قضى ساعاته، فنسأل الله جل وعلا لنا ولكم السلامة من الغفلة.
إن الغفلة يا عباد الله مصيبة عظيمة، وهي من أعظم المصائب على النفوس، ومن أشد العقوبات على القلوب، يقول الله جل وعلا:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر:١٩] نسوا أنفسهم فلم يتزودوا ولم يعملوا، ولم يستغلوا ولم يجتهدوا ولم يقدموا، حتى إذا آن الفراق، والتفت الساق بالساق، لم ينفع عند ذلك بكاء الأهل والأحباب، لا يجد أمامه إلا ما قدم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا يلومنّ امرؤ إلا نفسه.