ثم مكن الله ليوسف في أرض مصر بعد أن جعل على خزائنها يتبوأ ويتصرف ويتنقل فيها حيث شاء بعد ذلك الحصر والحبس والضيق رحمةً له من الله جزاء ما صبر عليه من الأذى من إخوته، والحبس من امرأة العزيز، وليس جزاء الصبر والاحتساب هذا العز والتمكين فحسب، بل إن له في الآخرة أعظم وأكثر من ذلك، وبعد مضي تلك السنين المخصبة وحلول السنين المجدبة عم القحط بلاد مصر بكاملها، ووصل إلى البلاد المجاورة حتى إلى أرض كنعان التي كان فيها يعقوب والد يوسف عليهما الصلاة والسلام، حينئذٍ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم، وورد عليه الناس من سائر البلدان يطلبون الميرة والقوت لأنفسهم وأولادهم، فكان إخوة يوسف من جملة من ورد إلى مصر حيث بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً، وركبوا عشرة نفر، وبقي يعقوب عليه السلام ومعه ابنه بنيامين شقيق يوسف، ولما وصل إخوة يوسف أرض مصر، جاءوا إليه فرأوه في أبهته ورياسته، فعرفهم يوسف، ولم يعرفوه لتغير حاله بعد أن فارقوه صغيراً، ولم يخطر على بالهم أن يصل أخوهم يوسف إلى ما وصل إليه مما رأوه من العزة والسيادة.