الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، أحمده سبحانه حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند والتظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه، ومن اتبع أثره، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله.
معاشر الأحباب: إن أناساً يعيشون في قطيعة الرحم ويعيشون في عقوق لوالديهم، فهل يأمنون أن يخطفهم هاذم اللذات ومفرق الجماعات وهم على حال كهذه، فأي مصير لهم وأي مصيبة عند سكرات موتهم إن فارقوا هذه الدنيا على حادث أو فجاءة أو أي قدر من الأقدار، وآباؤهم في سخط عظيم عليهم.
وإن رجلاً كهذا قد لا يؤمن عليه من سوء الخاتمة، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:(كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه آت، فقال: يا رسول الله! شاب يجود بنفسه، فقيل له: قل لا إله إلا الله فلم يستطع أن يقولها، فقال صلى الله عليه وسلم: أكان يصلي؟ قال: نعم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال له: قل لا إله إلا الله.
فقال: لا أستطيع.
قال: لم؟ قالوا: كان يعق والدته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحية أمه؟ قالوا: نعم.
قال: ادعوها، فدعوها فجاءت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهذا ابنكِ؟ قالت: نعم.
فقال لها: أخبريني لو أُججت نار عظيمة، فقيل لكِ: إن شفعت له صلينا عليه، وإلا حرقناه في هذه النار هل كنت تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله! إذاً أشفع.
قال: فأشهدي الله وأشهديني أنكِ قد رضيتِ عنه.
قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالها: ففاضت روحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذ ابنك من النار).
وكان هذا الشاب كما ورد في كتب الحديث يؤذي أمه، ويؤثر رضا زوجته على رضاها.